كتب : هشام صلاح
كريم “المنشد” يبيع سجاد فى بلكوانى ومحمود “النجار” كهربائى في مناجم نحاس كيب تاون: “شباب الدلتا” فى بلاد العم مانديلا
لا يعرف كريم “المنشد” الذى بدأ الإنشاد الدينى بمسجد سيدى نجم الدين بمدينة تلا منذ 5 أعوام لماذا ترك فنه, وانتقل للعمل بمدينة بلكواني بجنوب أفريقيا, كبائع للسجاد والتحف، قائلًا “كان زمانى ماهر زين المنوفية”.
سجاد مصري إنتاج قرية ساقية أبو شعرة بالمنوفية, وأدوات كهربائية, وبعض التحف تحملها أرفف “خشبية” يبيعها في متجر مملوك له, ولأصدقاءه من محافظات شتي, يقبل الفقراء من أهل المدينة علي بضاعته, فكل شىء هنا بالتقسيط المريح, طريقة مضمونة ومجربة من “تيتو” فلا أحد يعرف الإسم الحقيقى, لجذب أكبر عدد ممكن من الزبائن.
كريم فريد، شاب مصرى, من قرية كفر ربيع بالمنوفية. هاجر كريم لجنوب أفريقيا, وعمل بتجارة السجاد اليدوى, والتحف والنجف المصرى مع آخرين “بنبيعها هناك وبنكسب كويس”.
“منذ أن اتيت لمدينة بلكواني، وأعمل 12 ساعة يوميا، حيث يبدأ الزبائن فى التوافد على المكان من الخامسة صباحًا. فرجة هنا, وفصال هناك، وبالرغم من العمل المرهق، فإن الجميع على رضا تام .” هكذا أستطرد كريم, قائلًا: “هنا التجار من أكبرهم لأصغرهم قادمون من كل مدن وقرى الدلتا”.. “الشراقوة هم المسيطرون”.
الحياة في المدينة تبهرهم في الشهور الأولى بسبب سهولة الحصول على المال، إلا أنهم وبمرور الزمن يدركون أنها حياة قاسية .
العرب يعيشون فى هذه المدينة الواسعة, ويمارسون طقوسهم الدينية بحرية, فالمدينة تحتوى على أكبر مسجد فى جنوب أفريقيا, وتكثر فيه الندوات والأمسيات الدينية من حين لأخر, ويتنافس المنشدون, والمبتهلون فى شهر رمضان من كل عام داخل ساحته البديعة, ومنهم كريم فريد, الذى يمارس هوايته المفضلة بعد عناء عمل فرض عليه فى غربته.
على مسافة 7000 كيلوا متر يمتد الطريق من دلتا مصر إلى جنوب أفريقيا، لم يقصى طول المسافة وبعد الترحال كريم ورفاقه من شباب الدلتا عن فكرة الهجرة لأرض الماس والذهب.
فعندما ذكر حسين الجاسمى فى رائعته الفنية: «قوم نادى على الصعيدى» لشحذ الهمم, وللحث على النزول فى الانتخابات الرئاسية، لم يكن يعلم أن شباب محافظات دلتا النيل فى مصر مشغولون فى أرض “الزولا” بجنوب أفريقيا, بحثاً عن لقمة العيش, وهربًا من وحش البطالة.
المنوفى، الشرقاوى، الدمياطى، والإسكندرانى … وغيرهم من المصريين موجودين هناك، يبيعون ويشترون، ذهبوا من شمال مصر فى رحلة طويلة تمتد إلى أكثر من 7000 كيلو عبر أدغال أفريقيا، تحط الرحال كلها هناك فى هذه الدولة الأثرى على مستوى أفريقيا، تجذب ما تبقى من أجساد بلا أمل من المصريين الذين عانوا من صعوبة العيش.
لم يكن كريم وتيتو الوحيدان اللذان تمنيا السفر إلى بلاد العم مانديلا, العديد نجحوا فى السفر إلى جنوب أفريقيا بتأشيرة سياحية, والحصول على اللجوء السياسي.
محمود حسن “النجار”, أصبح بقدرة قادر كهربائى فى منجم النحاس بمدينة كيب تاون، محمود سافر إلى كيب تاون منذ عام مع ثلاثة من أصدقاءه تاركا أم وأب ومنزل بالطوب اللبن بقرية كفر عسكر حتى يعود بالأموال التى تؤهلة للتقدم لخطبة حب عمره “سافرت لأجمع المال لخطبة حب عمرى”.
من سفارة جنوب افريقيا في القاهرة، حصل محمود على الأوراق المطلوبة، وبتذكرة طيران بقيمة 5000 جنيه وصل للعاصمة الجنوب أفريقية, ومن خلال الطيران الداخلي وصل لمدينة كيب تاون بقيمة 600 جنيه.
حصل محمود على اللجوء السياسي, ولا يزال يعمل فنى كهرباء بأحد المناجم على تخوم المدينة الصاخبة.
معاناة “محمود” لم تتغير بعد سفره إلى جنوب أفريقيا فقد ظل علي فقره, و بعد أن كان نجار موبيليا في قريته, أصبح فنى كهربائى فى مناجم كيب تاون ” الفلوس أهم من التعب”.
محمود لم يذهب لكيب تاون ليلهوا, و لكنه سافر لبناء مستقبله حتى ولو على حساب صحته, وشبابه “نفسي أرجع بلدى, وأشتغل وأتجوز, ويكون عندى أطفال في شقة صغيرة”…”مش باين لها رجعه” هكذا قال محمود.
الشباب صغارًا, وكبارًا يعملون مثل الساعة داخل كيب تاون, الجميع يبحث عن لقمة العيش فى صمت.
نبيل عبد الجواد خريج لغات وترجمة من جامعة الأزهر مقيم بمدينة كيب تاون, وكشف انه يعمل بأحدى مطاعم الوجبات السريعة بمدينة كيب تاون, يؤكد أن البطالة والفقر هما ما دفعاه لمغادرة مدينة منوف التى ولد, وتعلم فيها.
وعن سبب اختياره لجنوب أفريقيا قال “العملة رخيصة – الرند يساوي نحو نصف جنيه – ومن السهل على أى شخص أن يعمل هنا فلوس, فالبلد رخيصة جداً، والأكل رخيص جدًا”.
وسائل الموصلات في كيب تاون رخيصة, فبمائة جنيه مصري أى مايعادل 200 راند جنوب أفريقي تحصل على كارت شحن كإشتراك يتم شحنة شهريًا من شركة النقل التى تغطى كل الأماكن فى المدينة.
العقبة الأكبر التى تواجه المصريين بحسب نبيل, هى :” إنتشار القتل والسرقات”, فقد عاد صديقاه مؤخرا إلى مصرجثثاً في توابيت، الشاب تامر السيد من محافظة الشرقية, ومحمد عبد الستار من المنوفية, الذين كانوا يعملون بتجارة المنسوجات, والبراويز, فقد تعرضوا لاعتداء مميت من قبل مجهولين، فعادا إلى قراهم فى دلتا مصر مع حلمهما في صندوق “عموما جنوب افريقيا مش أمان أوي, لكن كيب تاون مدينة كويسة والأمن فيها كويس”
المنظومة مستمرة والكل عنها راضٍ، على الرغم من كثرة الشكاوى حول عدم توافرالأمن يتمنى شباب المهجر فى جنوب أفريقيا أن تبذل الحكومة قصاري جهدها, لتوفيرالتسهيلات اللازمة لنقل العمالة المصرية لجنوب أفريقيا, أسوه بالعمالة المصرية بدول الخليج العربي, إلى أن يأتى ذلك الحين يظل عرق الشباب المصرى يسيل فى أدغال أفريقيا، للوصول لرأس الرجاء الصالح.